سورة الشعراء - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} بسبب عبادتِكم لها {أَوْ يَضُرُّونَ} أي يضرُّونكم بترككم لعبادتها إذ لا بُدَّ للعبادة لا سيَّما عند كونِها على ما وصفتُم من المبالغة فيها من جلب نفعٍ أو دفعِ ضُرَ.
{قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} اعترفُوا بأنَّها بمعزلٍ مَّما ذكر من السَّمعِ والمنفعةِ والمضرَّةِ بالمرَّة واضطرُّوا إلى إظهار أنْ لا سندَ لهم سوى التَّقليد أي ما علمنا أو ما رأينا منهم ما ذُكر من الأمور بل وجدنا آباءَنا كذلك يفعلُون أي مثلَ عبادِتنا يعبدون فاقتدينا بهم.
{قَالَ أَفَرَءيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} أي أنظرتُم فأبصرتُم أو أتأمَّلتمُ فعلمتم ما كنتُم تعبدونَهُ.
{أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ الأقدمون} حقَّ الإبصارِ أو حقَّ العلمِ.
وقوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى} بيانٌ لحال ما يعبدونَه بعد التَّنبيهِ على عدم علمِهم بذلك أي فاعلموا أنَّهم أعداءٌ لعابديهم الذين يحبُّونهم كحبِّ الله تعالى لما أنهم يتضرَّرون من جهتهم فوق ما يتضرَّر الرَّجلُ من جهة عدوِّه، أو لأنَّ مَن يُغريهم على عبادتهم ويحملُهم عليها هو الشَّيطانُ الذي هو أعدى عدوِّ الإنسانِ لكنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ صوَّر الأمر في نفسه تعريضاً بهم فإنَّه أنفعُ في النَّصيحة من التَّصريح وإشعاراً بأنَّها نصيحة بدأ بها نفسَه ليكون أدعى إلى القَبولِ. والعدوُّ والصَّديقُ يجيئانِ في معنى الواحدِ والجمعِ. ومنه قوله تعالى: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} شبها بالمصادر للموازنةِ كالقبول والولوع والحنين والصَّهيلِ {إِلاَّ رَبَّ العالمين} استئثاء منقطع أي لكن ربُّ العالمينَ ليس كذلك بل هو وليّ في الدُّنيا والآخرة لا يزال يتفضَّلُ عليَّ بمنافعهما حسبما يُعرب عنه ما وصفه تعالى به من أحكام الولايةِ، وقيل متَّصلٌ، وهو قولُ الزَّجاجِ على أنَّ الضَّميرَ لكلِّ معبود وكان من آبائِهم من عبدَ الله تعالى.
وقوله تعالى: {الذى خَلَقَنِى} صفةٌ لربِّ العالمينَ. وجعلُه مبتدأً وما بعْدَه خبراً غيرُ حقيقٍ بجزالة التَّنزيلِ وإنَّما وصفه تعالى بذلك وبما عطفه عليهِ مع اندراجِ الكلِّ تحت ربوبيتهِ تعالى للعالمين تصريحاً بالنِّعم الخاصَّةِ به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وتفصيلاً لها لكونِها أدخلَ في اقتضاءِ تخصيصِ العبادةِ به تعالى وقصرِ الالتجاء في جلبِ المنافعِ الدِّينيةِ والدُّنيويةِ ودفع المضارِّ العاجلةِ والآجلةِ عليه تعالى. {فَهُوَ يَهْدِينِ} أي هو يهديني وحدَهُ إلى كلِّ ما يُهمني ويُصلحني من أمور الدِّين والدُّنيا هدايةً متصلةً بحين الخلقِ ونفخ الرُّوحِ متجددة على الاستمرار كما ينبىءُ عنه الفاءُ وصيغةُ المضارعِ، فإنَّه تعالى يهدي كلَّ ما خلقه لما خُلق له من أمور المعاش والمعادِ هدايةً متدرجة من مبدأِ إيجادِه إلى منتهى أجلِه يتمكَّن بها من جلبِ منافعهِ ودفع مضارِّه إمَّا طبعاً وإمَّا اختياراً مبدؤُها بالنَّسبة إلى الإنسان هداية الجنينِ لامتصاص دمِ الطَّمثِ ومنتهاها الهدايةُ إلى طريق الجنَّةِ والتَّنعمِ بنعيمها المقيمِ.


{والذى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ} عطفٌ على الصِّفة الأولى وتكريرُ الموصولِ في المواقعِ الثَّلاثةِ مع كفاية عطف ما وقع في حيِّز الصِّلةِ من الجُمل السِّتِّ على صلة الموصولِ الأول للإيذانِ بأنَّ كلَّ واحدةٍ من تلك الصِّلاتِ نعتٌ جليلٌ له تعالى مستقلٌّ في استيجاب الحكمِ حقيقٌ بأنْ تجري عليه تعالى بحيالها ولا تجعل من روادِف غيرها.
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} عطفٌ على يُطعمني ويسقين نُظم معهما في سلك الصِّلةِ لموصول واحدٍ لما أنَّ الصِّحَّةَ والمرض من متفرِّعاتِ الأكل والشُّرب غالباً ونسبةُ المرضِ إلى نفسه والشِّفاءِ إلى الله تعالى مع أنَّهما منه تعالى لمراعاة حُسنِ الأدبِ كما قال الخَضِرُ عليه السَّلامُ: «فأردتُ أنْ أعيبها» وقال: «فأرادَ ربُّك أنْ يبلُغا أشدَّهما» وأما الإماتُة فحيث كانتْ من معظم خصائصِه تعالى كالإحياءِ بدَءاً وإعادةً وقد نيطتْ أمورُ الآخرةِ جميعاً بها وبما بعدَها من البعث نظمهما في سمطٍ واحدٍ في قوله تعالى: {والذى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ} على أنَّ الموتَ لكونه ذريعةً إلى نيله عليه الصلاةُ والسَّلامُ للحياة الأبديَّةِ بمعزل من أنْ يكون غيرَ مطبوع عنده عليه الصَّلاة والسَّلام.
{والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين} ذكره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هضماً لنفسه وتعليماً للأمَّةِ أنْ يجتنبُوا المعاصي ويكونوا على حَذَرٍ وطلب مغفرة لَما يفرطُ منهم وتلافياً لما عَسَى يندرُ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من الصَّغائر وتنبيهاً لأبيه وقومه على أنْ يتأمَّلوا في أمرهم فيقفُوا على أنَّهم من سوء الحال في درجةٍ لا يُقادر قدرُها فإنَّ حالَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع كونه في طاعة الله تعالى وعبادتِه في الغاية القاصيةِ حيثُ كانت بتلك المثابة فما ظنُّك بحال أولئك المغمُورين في الكُفر وفُنون المعاصي والخطايا. وحملُ الخطيئة على كلماتِه الثَّلاثِ إنِّي سقيمٌ بل فعله كبيرُهم وقوله لسارَّةَ هي أختي مَّما لا سبيلَ إليه لأنَّها مع كونها معاريضَ لامن قبيل الخطايا المفتقرةِ إلى الاستغفار إنَّما صدرتْ عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعد هذه المقاولةِ الجاريةِ بينه وبين قومه أما الثَّالثةُ فظاهرةٌ لوقوعِها بعد مهاجرتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى الشأمِ وأما الأوليانِ فلأنَّهما وقعتا مكتنفتينِ بكسرِ الأصنامِ ومن البيِّن أنَّ جريانَ هذه المقالاتِ فيما بينهم كان في مبادىءِ الأمرِ، وتعليقُ مغفرةِ الخطيئةِ بيومِ الدَّينِ مع أنَّها إنَّما تُغفر في الدُّنيا لأنَّ أثرَها يؤمئذٍ يتبيَّن ولأنَّ في ذلك تهويلاً له وإشارةً إلى وقوعِ الجزاءِ فيه إنْ لم تُغفر.


{رَبّ هَبْ لِى حُكْماً} بعد ما ذكر عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم فنونَ الألطافِ الفائضةِ عليه من الله عزَّ وجلَّ من مبدأِ خلقِه إلى يومِ بعثهِ حمله ذلك على مُناجاتِه تعالى ودعائِه لربط العتيدِ وجلبِ المزيدِ والحكم الحكمة التي هي الكمالُ في العلم والعملِ بحيثُ يتمكَّنُ به من خلافةِ الحقِّ ورياسة الخلقِ {وَأَلْحِقْنِى بالصالحين} ووفقنِي من العُلومِ والأعمالِ والمَلَكاتِ لما يُرشحني للانتظامِ في زُمرةِ الكاملينَ الرَّاسخينَ في الصَّلاحِ المنزَّهينَ عن كبائرِ الذُّنوبِ وصغائِرها أو اجمعْ بيني وبينَهُم في الجنَّة ولقد أجابَه تعالى حيثُ قال: {وَإِنَّهُ فِى الأخرة لَمِنَ الصالحين} {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الأخرين} أي جاهاً وحسنَ صيت في الدُّنيا بحيثُ يبقى أثرُه إلى يومِ الدِّين ولذلك لا ترى أمةً من الأُمم إلا وهي محبَّةٌ له ومثنيةٌ عليه. أو صادقاً من ذُرِّيتي يجددُ أصلَ ديني ويدعُو النَّاسَ إلى ما كنتُ أدعُوهم إليهِ من التَّوحيدِ وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولذلك قال عليه الصَّلاةُ السَّلامُ: أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ.
{واجعلنى} في الآخرةِ {مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} وقد مرَّ معنى الوراثة في سورةِ مريمَ.
{واغفر لاِبِى} بالهدايةِ والتَّوفيقِ للإيمان كما يلوحُ به تعليلُه بقوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين} أي طريقَ الحقَّ وقد مرَّ تحقيقُ المقام في تفسير سورة التَّوبةِ وسورة مريمَ بما لا مزيدَ عليه.
{وَلاَ تُخْزِنِى} بمعاتبتي على ما فرّطتُ أو بنقصِ رُتبتي عن بعض الورَّاثِ أو بتعذيبي لخفاءِ العاقبةِ وجوازِ التَّعذيبِ عقلاً، كلُّ ذلك مبنيٌّ على هضمِ النَّفسِ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أو بتعذيبِ والدِي أو ببعثهِ من عدادِ الضَّالين بعدمِ توفيقِه للإيمانِ وهو من الخِزيِ بمعنى الهوانِ أو من الخزايةِ بمعنى الحياءِ. {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي النَّاسُ كافَّةً والإضمار قبل الذكرِ لما في عُموم البعثِ من الشُّهرة الفاشيةِ المغنيةِ عنه وتخصيصه بالضَّالِّين مما يخلُّ بتهويلِ اليوم.
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ} بدلٌ من يومَ يبعثُون جِيء به تأكيداً للتَّهويلِ وتمهيداً لما يعقبُه من الاستثناءِ من أعمِّ المفاعيلِ أي لا ينفعُ مالٌ وإن كان مصرُوفاً في الدُّنيا إلى وجوهِ البرِّ والخيراتِ، ولا بنون، وإن كانُوا صُلحاءَ مستأهلينَ للشَّفاعةِ أحداً.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9